IMF - International Monetary Fund

09/15/2025 | Press release | Distributed by Public on 09/15/2025 09:10

معركة السيطرة وكيف يمكن أن تسحق الإمكانات الواعدة للذكاء الاصطناعي

العربية
English
9 min (2343 words) Read

الطريق إلى الرخاء يعتمد على دعم المجتمع الدولي للسلام باعتباره سلعة عامة عالمية

في منتصف القرن العشرين، أقنعت النجاحات التكنولوجية التي حققها الاتحاد السوفيتي آنذاك، وأبرزها إطلاق القمر الصناعي سبوتنيك وإرسال يوري غاغارين إلى الفضاء، كثيرا من المراقبين بأن الاقتصادات الموجهة قد تتفوق على الاقتصادات المدفوعة بقوى السوق. وقد تنبأ اقتصاديون بارزون مثل بول صامويلسون بأن الاتحاد السوفيتي سرعان ما سيتفوق على الولايات المتحدة اقتصاديا، في حين رأى أوسكار لانج، وهو اقتصادي بولندي اشتراكي، أن تكنولوجيات الكمبيوتر الناشئة يمكن أن تحل فعليا محل آلية السوق القديمة.

ولكن للمفارقة، انهار الاتحاد السوفيتي بمجرد أن انطلقت ثورة الكمبيوتر. فعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة - بما في ذلك محاولة نيكيتا خروتشوف إنشاء نظير سوفيتي لسيليكون فالي في زيلينوغراد على أطراف موسكو - أخفق الاتحاد السوفيتي في الاستفادة من الإمكانات الواعدة لتكنولوجيا الحوسبة. ولم تكن العقبة في نقص المواهب العلمية، وإنما في المؤسسات غير المواتية للاستكشاف. ففي حين ازدهر سيليكون فالي بفضل التجارب اللامركزية، مع تنقل المبتكرين بين الوظائف في الشركات البادئة التي تجري تجارب متعددة بشكل متزامن، خضع الابتكار في زيلينوغراد لسيطرة مركزية من المسؤولين في حكومة موسكو الذين تولوا تنسيقه بالكامل.

وكما قال فريدريك هايك، لم تكن الصعوبة الرئيسية التي واجهت التخطيط المركزي تكمن في معالجة البيانات، بل في جمع المعرفة المحلية الضرورية. فقد تمكن المخططون السوفييت من إدارة العمليات الموحدة، ولكنهم تعثروا أثناء حالة عدم اليقين التكنولوجي، فقد افتقروا إلى معايير مراقبة أداء المصانع ومعاقبة المتكاسلين. وعلى الرغم مما تحقق من نمو سريع في مرحلة مبكرة، تعرض الاتحاد السوفيتي لحالة من الركود، ولم يعد قادرا على التكيف مع أحدث الابتكارات التكنولوجية، وانهار في نهاية المطاف.

ولا تزال هذه الرؤى المتعمقة تنطبق في وقتنا هذا، ولا سيما في ظل ما تُعيد أشكال الذكاء الاصطناعي الجديدة طرحه من تساؤلات بشأن ما إذا كان يمكن للسلطة المركزية، مثل دولة الرقابة المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الصين، أو تركُّز الشركات - كما هو الحال بين شركات التكنولوجيا الكبرى في سيليكون فالي - الاستفادة بشكل فعال من التكنولوجيات الجديدة في إدارة الاقتصاد والمجتمع.

ابتكارات رائدة

إن النظريات التقليدية للثروة والفقر، التي تؤكد أهمية عوامل مثل الجغرافيا أو الثقافة أو المؤسسات، تكافح لتوضيح التحولات الاقتصادية الكبيرة في المسارات. فالأوضاع الجغرافية، التي لم يطرأ عليها أي تغيير، لا يمكن أن تفسر تحول الاتحاد السوفيتي من تحقيق النمو السريع إلى الانهيار. والعوامل الثقافية أيضا تتطور ببطء شديد يتعذر معه تفسير حالات الانتعاش الاقتصادي السريع وما يليها من حالات كساد. وبينما النظم، مثل القوانين واللوائح، قد تتغير على نحو مفاجئ بشكل أكبر، فإن النظريات المؤسسية المستندة إلى أوضاع عامة تكون غير مكتملة على نحو مماثل. وعلى سبيل المثال، شهد كل من الاتحاد السوفيتي والصين عقودا من النمو السريع برغم الافتقار إلى حقوق الملكية الخاصة الآمنة. وفي نهاية المطاف، فإن فهم التقدم الاقتصادي يقتضي دراسة الطريقة التي تتفاعل بها المؤسسات والثقافة بشكل ديناميكي مع التغيرات التكنولوجية.

وإدراك أن الأداء الاقتصادي يرتبط بهذا التفاعل المتغير يعيد صياغة النقاش المألوف على مستوى السياسات بشأن التقدم التكنولوجي. فأحد الطرفين يساند الابتكار اللامركزي الذي تقوده الشركات الصغيرة في أسواق خاضعة لدرجة بسيطة من التنظيم، في حين يشجع الطرف الآخر انتهاج سياسة صناعية بقيادة الدولة تنفذها أجهزة بيروقراطية قوية. وبرغم هذا، لا يبلغ كلا المنهجين المستوى الأمثل إلا في ظل ظروف معينة، فالبيروقراطيات المركزية تستغل بفعالية التكنولوجيات التي يسهل الحصول عليها وتدفع النمو الاستدراكي، في حين تتفوق النظم اللامركزية بابتكاراتها الرائدة في مجال التكنولوجيا. وبمرور الوقت، يجب على الحوكمة الاقتصادية أن تتكيف وإلا تعرضت لخطر الركود الاقتصادي.

اليابان رقم 1

حتى حين تفكك الاتحاد السوفيتي في عام 1991، تراجع شعور الولايات المتحدة بالارتياح نتيجة لمصدر قلق جديد، فقد اعتقد كثير من العلماء والصحفيين أن اليابان سرعان ما ستتفوق عليها. وقد حذر بالفعل عزرا فوغل في كتابه الأكثر مبيعا في عام 1979، اليابان الدولة رقم 1(Japan as Number One)، من تميز طوكيو المتنامي في تصنيع أجهزة الكمبيوتر وأشباه الموصلات، وهو مكسب يبدو هائلا بقدر صعودها السابق في مجال تصنيع السيارات. غير أن ثورة الكمبيوتر التي تلت ذلك روت قصة مختلفة. فمنذ أوائل تسعينات القرن الماضي، حققت الإنتاجية الأمريكية المدفوعة بالبرمجيات زيادة كبيرة، في حين ظلت الشركات اليابانية متمسكة بتصنيع الأجهزة.

وقد ارتكز صعود اليابان على نظام إنتاج منسق بإحكام. وبسبب تمكن الشركات اليابانية من الحصول على حصص ملكية في الشركات المورِّدة لها - وهو ما كان قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي يحاول منعه - استطاعت أن تنسج شبكات معرفة كثيفة عززها نظام إدارة اللوجستيات في الوقت المناسب، والتصميم بمساعدة الكمبيوتر، وأدوات يمكن إعادة برمجتها. وكانت النتيجة كفاءة لافتة للنظر، فقد تجاوزت إنتاجية عمال مصانع السيارات في اليابان إنتاجية نظرائهم الأمريكيين بنسبة 17% بحلول عام 1980، مما دفع شركتي فورد وجنرال موتورز إلى إعلان تكبدهما خسائر فادحة.

ومع هذا، لم تتحقق الميزة اليابانية باختراع منتجات جديدة بقدر ما تحققت بفضل تحسين مستوى منتجات غربية. ولم تصبح أجهزة التلفاز الملون، والأجهزة المحمولة لتشغيل شرائط الكاسيت (ووكمان)، وأجهزة تسجيل شرائط الفيديو صيحات عالمية إلا بعد أن أعاد المهندسون اليابانيون تصميمها من أجل خفض تكلفتها وزيادة متانتها. وفي دراسة رائدة، خلُص الاقتصادي إدوين مانسفيلد إلى أن نحو ثلثي أعمال البحوث والتطوير في اليابان استهدفت تحسين العمليات - وهي الصورة المناظرة للجهود الأمريكية المكثفة في مجال المنتجات - مما أتاح تحويل أسرع لأوجه التقدم المعملي إلى سلع تجارية زهيدة الثمن.

ولكن مواطن القوة البالغة هذه تحولت إلى قيود. فقد توقع مراقبون بارزون مثل الفريد تشاندلر الابن أن يكافئ عصر الكمبيوتر الإتقان في صُنع الأجهزة وتبسيط الإنتاج - وهما عنصران منحا أفضلية لليابان - إلا أن ديناميكية الشركات البادئة الأمريكية، مثل آبل ومايكروسوفت، هي التي حسمت الأمر. وقد أدت سياسة مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، المترسخة في قانون شيرمان لمكافحة الاحتكار لعام 1890، إلى فتح الأسواق عنوة بإجبار شركة آي بي إم (IBM) على فصل أجهزتها عن برمجياتها، وبتقسيم شركة إيه تي آند تي (AT&T) قبيل انطلاق الإنترنت التجاري. وبدون حارس بوابة واحد، أمكن لرواد الأعمال الابتكار بحرية، وتوسعت الشبكات دون معوقات.

وعلى النقيض من ذلك، عززت قواعد المنافسة الأيسر في اليابان تكوين اتحادات احتكارية ورسخت تكتلات الشركات المعروفة بنظام "كيرستو" الياباني. وأصبح التنسيق نفسه الذي أدى في يوم من الأيام إلى تسريع عمليات التحديث التدريجي هو سبب التباطؤ الحالي في القفزة نحو نماذج أعمال مستندة إلى البرمجيات والإنترنت، مؤديا بذلك إلى مزاحمة المنضمين الجدد إلى هذا المجال. ومن ثم، توقف الزخم التكنولوجي في اليابان. وحتى داخل الولايات المتحدة، تفوَّق أداء المناطق التي ترتكز على المنافسة الشرسة، مثل وادي السيليكون، على المناطق الأكثر هرمية والمتكاملة رأسيا مثل تجمع شركات التكنولوجيا على الطريق ١٢٨ في منطقة نيو إنجلاند.

نهاية الرأسمالية المنسقة

اليابان ليست مثالا منعزلا عن غيرها. ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية، حقق اقتصاد أوروبا الغربية نموا سريعا بفضل اعتماد الطرق الأمريكية للإنتاج الضخم على مستوى طائفة واسعة من الصناعات. وقد نجحت تلك الاستراتيجية على مدى عدة عقود، ولكن بحلول سبعينات القرن الماضي، كانت أوروبا قد استنفدت تراكم التكنولوجيا الأمريكية. وللحفاظ على النمو، كان من الضروري أن تتحول إلى نموذج يستند إلى الابتكار وليس مجرد مواكبة التكنولوجيات القائمة.

وثبت أن هذا التحول ينطوي على تحديات. فقد تشكلت المؤسسات الاقتصادية في أوروبا من خلال تاريخ طويل من اللحاق بركب الصناعة، وأُنشئت في أواخر القرن التاسع عشر لاستيعاب التكنولوجيا البريطانية، وتعززت أثناء حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية حين كانت أوروبا تعمل على سد الفجوة بينها وبين الولايات المتحدة. وتمثل الهدف من هذه المؤسسات في دعم تحقيق نمو اقتصادي مستقر ويمكن التنبؤ به من خلال تخطيط دقيق، وصناعات منسقة، وتعاون وثيق بين الشركات والبنوك والحكومات. وكانت هذه الرأسمالية المنسقة فعالة حين كانت المهمة واضحة - أي مواكبة الممارسات الصناعية الراسخة - ولكنها تحولت إلى عقبة حين واجهت حالة عدم اليقين والاضطراب بفعل ثورة الكمبيوتر وأشكال تكنولوجيا المعلومات الجديدة.

وفي فرنسا، فإن النظام الحكومي للتخطيط الإرشادي، الذي حدد الأهداف الاقتصادية لتنسيق الاستثمارات، عمل بشكل جيد محرزا تقدما تكنولوجيا تدريجيا ويمكن التنبؤ به. ولكن في ظل التغير التكنولوجي السريع، أصبح المخططون مثقلين وغير قادرين على التنبؤ بدقة وتوجيه الموارد بكفاءة.

وبالمثل، ثبت أن المؤسسات المملوكة للدولة في إيطاليا، التي كانت بالغة الأهمية أثناء مرحلة الانتعاش في أعقاب الحرب العالمية الثانية، تتسم بالجمود وعدم الاستجابة لمتطلبات عصر جديد يموج بالاضطرابات التكنولوجية. وفي إسبانيا والبرتغال، أدى نفوذ الدولة الهائل، مقترنا بالمصالح الراسخة، إلى تقييد المرونة الاقتصادية بشدة، مما عرقل الابتكار والتكيف. ونتيجة لذلك، شهدت هذه البلدان في جنوب أوروبا فترة ركود اقتصادي طويلة أثناء ثورة الكمبيوتر، التي غالبا ما يُشار إليها باسم "العقدان الضائعان".

من هايك إلى مورافيك

إن الدرس المستفاد واضح، وهو أن المعجزات الاقتصادية انتهت حين أضحت المؤسسات التي أتاحت تحقيق النجاحات في الماضي غير متوائمة مع التحديات الجديدة. فقد تعثر الاتحاد السوفيتي وكثير من بلدان أوروبا حين أخفقت نماذج الإنتاج الضخم الجامدة في التكيف في ظل عدم إمكانية التنبؤ التي اتسم بها عصر الكمبيوتر، في حين تعثرت اليابان بفعل تحول مركز الابتكار من الأجهزة إلى البرمجيات. واليوم، يخضع نمو الصين لقيود متزايدة بسبب تشديد سيطرة الحزب الحاكم، في حين تواجه الولايات المتحدة خطرا مماثلا حينما تظل القوى الاحتكارية دون ضوابط. وحاليا، يواجه الذكاء الاصطناعي خطرا محدقا من أن تؤدي المركزية والتركز إلى خنق الابتكار. وبسبب تحسن أداء الذكاء الاصطناعي تاريخيا بفضل زيادة القدرة الحاسوبية وتوافر البيانات، خلص كثير من المراقبين إلى أن الذكاء الاصطناعي معترك من الأفضل أن يُترك لمجموعة قليلة من "الشركات الوطنية القائدة". وهذا الاعتقاد مغرٍ - وإن كان يجانبه الصواب.

فكما هو الحال في ثورة الكمبيوتر، تتحقق الطفرات الحقيقية بفضل استكشاف المجهول، وليس بتحسين ما تشكل بالفعل. فنماذج اللغة الكبيرة - أي نظم الذكاء الاصطناعي المدربة على توليد لغة البشر وفهمها - نمت بمقدار 10 آلاف ضعف من حيث الحجم بين عامي 2019 و2024، ولكنها لم تسجل سوى نحو 5% لدى قياسها بمعيار مجموعة اختبارات التجريد والاستدلال (ARC)، وهو اختبار يقيم القدرات المتقدمة على حل المشكلات. وفي غضون ذلك، تجاوزت المناهج الأصغر حجما مثل البحث في البرامج (الذي يولِّد برامج صريحة لحل المشكلات) 20%، وتحتل الطرق الأحدث للتعلُّم في السياق (ICL)(حيث تتعلم النماذج من الأمثلة دون إعادة التدريب) موقع الصدارة.

وفي الواقع، لن يؤدي الذكاء الاصطناعي قريبا إلى جعل الاستكشاف البشري أمرا تجاوزته التطورات. ولا تزال ملاحظة هانز مورافيك القديمة صحيحة، فيذهب إلى أن ما لا يتطلب مجهودا من البشر (مثل السير على الأقدام) يظل صعبا على الآلات، والعكس صحيح. فنماذج اللغة المدربة على الإنترنت بالكامل لا تزال تفتقر إلى الخبرة الحسية الحركية التي يتمتع بها أي إنسان في الرابعة من عمره. وإلى أن نتمكن من ترميز تلك المعرفة المتجسدة، ستظل نظم الذكاء الاصطناعي المركزية تتبع التجارب اللامركزية التي يؤديها مليارات البشر يوميا.

إن القدرة على الابتكار تزدهر على وجه التحديد حيث تكون السوابق محدودة. فالمخترعون والعلماء ورواد الأعمال يزدهرون بتحويل المجهول إلى فرصة. وعلى العكس من ذلك، تعتمد نماذج اللغة الكبيرة على التوافق الإحصائي بين المصادر. ولنتخيل أحد نماذج اللغة الكبيرة مدربا في عام 1633، سنجد أنه يؤيد بقوة فكرة أن الأرض هي مركز الكون؛ وبأخذ أدبيات القرن التاسع عشر في الحسبان، سينكر بثقة أن البشر بمقدورهم الطيران، مرددا القائمة الطويلة لمحاولات الطيران الفاشلة التي سبقت نجاح الأخوين رايت. وحتى ديميس هاسابيس من شركة DeepMindللذكاء الاصطناعي التابعة لشركة غوغل يقر بأن التوصل إلى ذكاء عام اصطناعي حقيقي قد يتطلب "عدة ابتكارات إضافية".

الرقابة والمنافسة

من غير المحتمل أن يظهر هذان العنصران من نطاق مركزي وحده، فهما سيأتيان، كما كان الحال سابقا، من توسيع نطاق ساحة التجارب وخفض الحواجز على دخولها. ومع هذا، ففي عصر الذكاء الاصطناعي، تتحرك كل من الصين والولايات المتحدة في الاتجاه المعاكس، أي زيادة الرقابة المركزية والحد من ديناميكية المنافسة.

ولا تزال أكثر القطاعات ديناميكية في الصين مدفوعة بالشركات الخاصة أو التي تساندها شركات أجنبية، في حين تتخلف الشركات المملوكة للدولة عن الركب. غير أن بيجينغ تعيد النظر في مركزية السلطة، فيوجد حاليا تفضيل من حيث التراخيص والائتمان والعقود لمجموعات الشركات العملاقة التي يمكن التعويل عليها سياسيا، ويُستعان بقانون مكافحة الاحتكار بشكل انتقائي، وحملات مكافحة الفساد تجعل الولاء شرطا أساسيا للبقاء. وقد ضعفت التجارب التي كانت حيوية في الماضي على مستوى المقاطعات بسبب سعي المسؤولين وراء مؤشرات أولية مثل عدد براءات الاختراع، مما أدى إلى إغراق السجلات بملفات منخفضة القيمة. وكذلك تطغى الرعاية على القواعد التي تتسم بالشفافية، ويحل الولاء محل الكفاءة، مما يؤدي إلى تآكل قدرة الدولة على تشجيع الابتكار على مستوى الريادة ودفع الاقتصاد باتجاه نمو أبطأ وأقل اعتمادا على الابتكار.

ومما لا شك فيه أن الصين لا تزال تستفيد من مجموعة كبيرة من المواهب وحكومة لديها التزام قوي بتحقيق تقدم تكنولوجي. ولكن كما هو حال البلدان في الغرب، تثبت الشركات التي ليس لها علاقات سياسية قوية - مثل شركة الذكاء الاصطناعي البادئة "DeepSeek" - أنها الأكثر ابتكارا. فعلى الرغم من أن السلطات قد تسمح لهذه الشركات بالعمل بشكل مستقل نسبيا ما دامت أنشطتها تتسق مع الأهداف الوطنية، فإن غياب أشكال الحماية القانونية القوية يجعلها عرضة للتحولات التي تطرأ على الأولويات السياسية. وبالتالي، يجب على الشركات استثمار الموارد في تكوين تحالفات سياسية، مما يؤدي إلى تحويل الاهتمام ورأس المال عن دفع الابتكار قُدُما. وسيطرة الحكومة على أنواع تكنولوجيا المعلومات بالغة الأهمية غالبا ما تُغري السلطات على تعزيز هيمنتها السياسية على المجتمع، مما قد يؤدي إلى خنق ابتكار القواعد الشعبية.

وتبدو الأعراض نفسها على الولايات المتحدة ولكن في شكل مختلف. فمنذ عصر الكمبيوتر في تسعينات القرن الماضي، أصبحت الصناعات في الولايات المتحدة أكثر تركزا إلى حد كبير، مما أدى إلى الحد من المنافسة المتقلبة التي ميزت سيليكون فالي في يوم من الأيام. واليوم، تعرقل شبكة من شروط عدم المنافسة سهولة حركة العمالة، وتكبح تدفق المعرفة الضمنية، وتثبط العلماء والمهندسين عن تأسيس شركات منافسة. وبما أن الشركات البادئة تمثل عناصر أساسية في تحويل الرؤى المتعمقة المعملية إلى منتجات تجارية، فإن هذا العبء على تداول المواهب يُضْعِفُ الآلية ذاتها - الهدم الخلاق - التي تعيد توزيع الحصة في السوق نحو أفكار جديدة. ويوضح الاقتصاديان جيرمان غوتيريس وتوماس فيليبون أن هذا الاتجاه لا تحركه وفورات الحجم التي لا مفر منها بقدر ما يدفعه الضغط القائم الذي يثبت المزايا التنظيمية في الشفرة، من عمليات التوسع في براءات الاختراع إلى معوقات منح التراخيص القطاعية.

ويشكل هذا النمط أيضا تهديدا للذكاء الاصطناعي. فتحت غطاء المنافسة المحتدمة اليوم، يسيطر تحالف شركة مايكرسوفت العميق مع شركة الذكاء الاصطناعي OpenAIبالفعل على نحو 70% من سوق نماذج اللغة الكبيرة التجارية، في حين توفر شركة إنفيديا حوالي 92% من وحدات معالجة الرسومات المتخصصة المستخدمة في تدريب هذه النماذج. وبالإضافة إلى شركات ألفابت وأمازون وميتا، دأبت أيضا هذه الشركات القائمة على العمل بهدوء على شراء أسهم في الشركات البادئة الواعدة في مجال الذكاء الاصطناعي. والحفاظ على نظام السياسات الذي يحمي ساحة المنافسة نفسها وليس ثروات شركات بعينها أمر ضروري إذا ما أُريد للجيل القادم من أصحاب الابتكارات التحويلية أن يحقق الدفعة الموعودة في الإنتاجية. ويصدُق هذا الأمر على عصر الذكاء الاصطناعي كما صدق على حقبة الكمبيوتر.

كارل بينيديكت فريي هو أستاذ مساعد كرسي ديتر شوارتز للذكاء الاصطناعي ويعمل في جامعة أوكسفورد. ويستند هذا المقال إلى أحدث كتاب ألفه "كيف ينتهي التقدم: التكنولوجيا والابتكار ومصير الأمم" (How Progress Ends: Technology, Innovation, and the Fate of Nations).

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.

IMF - International Monetary Fund published this content on September 15, 2025, and is solely responsible for the information contained herein. Distributed via Public Technologies (PUBT), unedited and unaltered, on September 15, 2025 at 15:11 UTC. If you believe the information included in the content is inaccurate or outdated and requires editing or removal, please contact us at [email protected]