09/15/2025 | Press release | Distributed by Public on 09/15/2025 09:10
أكبر نظام دفع لحظي في العالم يبين قوة نظم المدفوعات القابلة للتشغيل البيني
تخيل أنك تقف في طابور مقهى، وعندما تصل إلى منضدة الدفع وتلوّح بهاتفك حتى تدفع الحساب، يُقال لك: "عذرا، نحن نقبل خدمة الدفع Apple Payفقط، بينما أنت تحاول استخدام خدمة الدفع Google Pay." فتتنهد وتغادر بدون قهوتك.
هذا الإحساس البسيط بالإحباط يكشف عن تحدٍّ كبير: فالمدفوعات الرقمية ليست دائما بالسهولة التي تبدو عليها. وكما هو الحال غالبا فيما يخص البنية التحتية -سواء كانت رقمية أو مادية- فنحن لا نلتفت إليها إلا عندما لا تعمل جيدا. وما تفتقر إليه في هذه الحالة هو قابلية التشغيل البيني، أي قدرة تطبيقات الدفع والبنوك والمنصات المختلفة على الاتصال ببعضها بسلاسة.
وكثير من أنظمة الدفع الرقمية يشبه الحدائق المُسَوَّرَة. فإذا كنت أنت والشخص الذي تدفع له لا تستخدمان نفس مقدم خدمة الدفع، فإن المعاملة تكون مستحيلة. وتفضل المنصات الخاصة إبقاء المستخدمين ضمن نطاقاتها، وهو ما يُعرف أيضا بأنظمة الدفع المغلقة.
أما قابلية التشغيل البيني فهي تُحَوَّلُ الحدائق المُسَوَّرَة إلى ساحات عامة يمكن لأي شخص فيها التعامل مع أي شخص آخر. فتستخدم أنت تطبيقك المفضل، ويستخدم الطرف الآخر تطبيقه، وتتم عملية الدفع بنجاح.
وتوضح أبحاثنا الأخيرة أن حرية الاختيار هذه تحقق فائدتين رئيسيتين (دراسة Copestake and others 2025). أولاهما هي حصول المستخدم على تجربة أفضل، حيث يختار المستهلكون تطبيقاتهم المفضلة بناء على ما يقدّرونه، بما في ذلك سهولة الاستخدام، أو الموثوقية، أو اختيار اللغة. والثانية هي المزيد من الابتكار، إذ يجب على مقدم الخدمات تقديم الخدمات وتحسينها باستمرار، لأن استبدالهم أصبح سهلا في حين لا توجد أي قيود على المستخدمين.
يعتمد عملنا على التحول السريع إلى المدفوعات الرقمية في الهند، ويخلُص إلى أن قابلية التشغيل البيني يمكنها تمكين المستهلكين وتعزيز الابتكار وتسريع التحول بعيدا عن التعامل النقدي.
ففي عام 2016، أطلقت الهند واجهة المدفوعات الموحدة التي تسمح بإرسال المدفوعات واستلامها بسهولة عبر جميع التطبيقات والبنوك المشاركة. وقد غيّر هذا النظام مشهد المدفوعات في الهند وأصبح أكبر نظام دفع لحظي في العالم من حيث الحجم، حيث يعالج أكثر من 19 مليار معاملة شهريا.
ومن اللافت للانتباه أن معظم معاملات واجهة المدفوعات الموحدة تتم بين تطبيقات مختلفة، وهو ما لم يكن ممكنا لو أنها كانت تعمل فقط كأنظمة دفع مغلقة. وفي الوقت نفسه، تراجع استخدام النقد. فقابلية التشغيل البيني كانت هي العامل الذي أطلق العنان للتسارع الرقمي في قصة واجهة المدفوعات الموحدة.
وانضم كثير من المستخدمين في البداية إلى واجهة المدفوعات الموحدة من خلال تطبيقات موثوق بها، وغالبا ما كانت تقدمها بنوكهم. وأطلق مشغِّل واجهة المدفوعات الموحدة أيضا تطبيق الدفع BHIM، وهو تطبيق عام بسيط للمساعدة في تعريف المستخدمين الجدد بالنظام.
ومع ازدياد شعبية واجهة المدفوعات الموحدة، دخل السوق أكثر من 200 تطبيق فضلا على غالبية البنوك. وسمحت قابلية التشغيل البيني للمستخدمين بالانتقال بحرية إلى تطبيقات أحدث وأفضل، دون الحاجة إلى إقناع المستخدمين الآخرين بالتحول في الوقت نفسه.
وسمحت هذه المرونة للمشاركين الجدد بدخول السوق بسهولة أكبر والتوسع بسرعة أكبر. واضطرت الشركات المستقرة إلى رفع مستوى خدماتها. فالتطبيقات الأكثر موثوقية - وتُقاس بمعدلات فشل المعاملات- استقطبت المزيد من المستخدمين. وبمرور الوقت، تحسنت الموثوقية على مستوى السوق ككل.
هل كانت قابلية التشغيل البيني برغم هذا عاملا حاسما في انطلاق المدفوعات الرقمية، أم كان هذا ليحدث على أي حال؟ تكشف الأدلة من حدثين مهمين باستخدام بيانات جديدة ومفصلة أن قابلية التشغيل البيني كان لها بالفعل دور أساسي في دفع عجلة نمو المدفوعات الرقمية في الهند.
أولا، جاء قرار سحب العملات الورقية من التداول في الهند في عام 2016، والذي دفع الكثيرين إلى تجربة المدفوعات الرقمية لأول مرة. وكان على المستخدمين الاختيار بين نظم الدفع المغلقة وواجهة المدفوعات الموحدة القابلة للتشغيل البيني. وقد اختار معظمهم واجهة المدفوعات الموحدة، التي شهدت نموا أسرع بكثير بفضل المعاملات عبر التطبيقات التي أتاحتها قابلية التشغيل البيني.
وثانيا، في عام 2017، وبعد دفعة تنظيمية، انضم أحد كبار مقدمي خدمات الدفع المغلق إلى واجهة المدفوعات الموحدة، ما أدى إلى دمج شبكتين كبيرتين قائمتين من شبكات المدفوعات. وما هي النتيجة؟ نمت المدفوعات الرقمية بوتيرة أسرع في المناطق التي كانت أكثر تشتتا في البداية، وحققت بالتالي المكاسب الأكبر من هذه الزيادة في قابلية التشغيل البيني.
وقدَّر المستخدمون الشبكة المدمجة أكثر من حاصل أجزائها: فقد زاد استخدام كلتا الشبكتين، وزادت كذلك المعاملات بينهما. وارتفع إجمالي المدفوعات الرقمية مقارنة ببدائل استخدام النقد.
كانت قابلية التشغيل البيني محركا أساسيا لنجاح الهند في التوسع في المدفوعات الرقمية. ولكن هناك عدة عوامل أخرى ساهمت في هذا النجاح كذلك. وتشمل هذه العوامل نظاما واسعا للهوية الرقمية، وبرامج الشمول المالي، وإتاحة خدمة الإنترنت عبر الأجهزة المحمولة بأسعار معقولة.
ويمكن للبلدان التي تسعى إلى توسيع المدفوعات الرقمية أن تستخلص عدة دروس من تجربة الهند. يبدأ الأمر بإنشاء بنية تحتية مفتوحة. فقابلية التشغيل البيني يمكن أن تعزز خيارات المستخدم وتحفز الابتكار. يلي ذلك الاستثمار في عوامل التمكين الرقمية. فبيانات الأجهزة المحمولة بأسعار معقولة، وأنظمة الهوية الوطنية، والوصول على نطاق واسع إلى الخدمات البنكية كلها أمور أساسية. ويمكن للحكومات أيضا دعم الاعتماد المبكر عبر تطبيق عام يساعد على بناء الزخم.
كذلك فإن أن مراقبة السوق وتكييف التنظيم أمران حاسمان. ففي الهند، وجد مقدمو خدمات الدفع طرقا لدفع المستخدمين - من خلال تصميم رموز استجابة سريعة ذات علامة تجارية، وحزمة خدمات مجمعة، ووسائل أخرى- للبقاء داخل حدائقهم المُسَوَّرَة. واليوم، يبدأ أكثر من 95% من معاملات واجهة المدفوعات الموحدة باستخدام ثلاثة تطبيقات فقط، وفي نحو نصفها يستخدم كل من الدافع والمدفوع له التطبيق نفسه. لذا فإن تتبع أنماط الاستخدام، وهيمنة التطبيقات، وتكاليف التبديل أمر حيوي للسلطات لتحديد أفضل السبل لحماية حرية اختيار المستخدم.
عدنا إلى المقهى. هذه المرة، يمكنك استخدام مقدم خدماتك المفضل، والدفع فورا، ومغادرته ومعك قهوتك وإيصال رقمي. تلك اللمحة الصغيرة من التيسير - التي أتاحتها قابلية التشغيل البيني- هي أساس تحول رقمي أوسع. فهي ما يسمح للأنظمة الرقمية بالوصول إلى الجميع وفق شروطهم، دون خلق صوامع جديدة.
وعندما تُطَبََق قابلية التشغيل البيني بشكل صحيح، فهي تحوِّل الأنظمة المتشتتة إلى شبكات مترابطة. فهي تعزز الثقة، وتسرّع اعتماد المدفوعات الرقمية، وتحقق تكافؤ الفرص. وبالنسبة للبلدان التي تبني مستقبل التمويل، فقابلية التشغيل البيني ليست مجرد أمر مفيد، بل هي ركيزة أساسية.
الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.