11/11/2025 | Press release | Archived content
يركز المغرب أنظاره على البحر، مستفيداً من سواحله الممتدة والأنظمة الإيكولوجية البحرية التي تزخر بالتنوع. ومع تزايد الشهية العالمية للمأكولات البحرية المستدامة، تتجه المملكة نحو تطوير تربية الأحياء المائية البحرية لتحويلها إلى محرك رئيسي يقود النمو الاقتصادي والابتكار وتوفير فرص العمل.
يمتلك قطاع تربية الأحياء المائية في المغرب إمكانات هائلة تنتظر تحقيقها، فرغم أن الإنتاج الحالي البالغ 3600 طن يُعد جزءاً ضئيلاً مما يمكن تحقيقه، فإن المملكة تسير بخطى واثقة نحو تحقيق مستهدف إنتاج يصل إلى 300 ألف طن من منتجات الأحياء المائية والأسماك والمأكولات البحرية وخلق 30 ألف فرصة عمل بحلول العقد المقبل، بفضل الاستثمارات المستمرة من القطاعين العام والخاص.
يتنوع الإنتاج الحالي بشكل واسع في المغرب ليشمل أسماكاً ومحاراً وبلح البحر (صدفيات) والأعشاب البحرية والجمبري (القمرون/الروبيان)، مع فرص واعدة خاصة في مجال زراعة الأعشاب البحرية والمحاريات. وتواكب هذه الجهود تطوير بيئة داعمة عبر تحديد المناطق المثلى لاستزراع الأعشاب البحرية وتربية الأحياء المائية، وتصميم إطار تنظيمي حديث، إلى جانب تعزيز الروابط التجارية. من شأن ذلك أن يمكن المغرب من النفاذ إلى أسواق المأكولات البحرية العالمية. وبالارتكاز على الإنتاج الأولي، توسع المملكة قاعدتها الإنتاجية من خلال 322 مزرعة مرخصة، مستهدفة إنتاجاً سنوياً يتجاوز 124 ألف طن في الوقت الحالي.
تتسع آفاق الفرص الاقتصادية في قطاع المأكولات البحرية تزامناً مع النمو السكاني المتزايد وارتفاع الوعي الصحي بفوائد هذه المأكولات في المغرب. ومن المتوقع أن تتجاوز استثمارات هذا العام حاجز المليار دولار أمريكي، ويمكن لتربية الأحياء المائية أن تصبح ركيزة أساسية للحد من استيراد المأكولات البحرية وضمان استقرار الإمدادات المحلية.
بدوره يقول أحمدو مصطفى ندياي المدير الإقليمي لدائرة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي: "تقف مجموعة البنك الدولي على أهبة الاستعداد لمساندة المملكة المغربية والوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء المائية بهدف النهوض بمزارع تربية الأحياء المائية باعتبار ذلك أولوية وطنية. وأضاف: "إننا ندعم تبسيط اللوائح التنظيمية، والحد من مخاطر الاستثمار، وجذب التمويل - والاستفادة من الدور القيادي لمؤسسة التمويل الدولية لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في هذا القطاع الواعد".
يدعم البنك الدولي المغرب في مساعيه لبناء اقتصاد أزرق قادر على الصمود أمام تغير المناخ، وذلك من خلال برنامج قائم على النتائج بقيمة 350 مليون دولار أمريكي، إلى جانب منحة بقيمة 5 ملايين دولار أمريكي من البرنامج العالمي للاقتصاد الأزرق التابع للبنك الدولي. وأسفرت النتائج المبكرة عن تحقيق تحولات نوعية وإدارة أكثر استدامة للموارد البحرية والساحلية، واستعادة الغابات والكثبان الرملية الساحلية، وتعزيز حماية المجتمعات والمناطق المحلية من الفيضانات وتآكل السواحل.
في إطار تكثيف هذه الجهود المستمرة، تتيح المرحلة الثانية من برنامج الاقتصاد الأزرق في شمال أفريقيا دعماً فنياً موجهاً للوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء المائية (ANDA) لتعزيز قدرات هذه الوكالة في تطوير تربية الأحياء المائية المستدامة. يشمل هذا الدعم تنفيذ دراسات تحليلية، والتدريب على أساليب مستدامة لزراعة الجمبري (القمرون/الروبيان)، ووضع منهجية لاختيار المواقع المثلى لتربية الأحياء المائية، بالإضافة إلى إعداد خارطة طريق لتطوير زراعة الأعشاب البحرية-وهي خطوات حيوية لدعم رؤية المغرب نحو تربية أحياء مائية مستدامة.
جدير بالذكر أن الاستثمارات المستهدفة ساهمت في دعم نماذج قابلة للتوسع في مزارع الجمبري (القمرون/الروبيان) والأعشاب البحرية، مما ساهم في إنشاء سلاسل قيمة جديدة لتربية الأحياء المائية، تتميز بالقدرة على مواجهة تغير المناخ في المغرب. وفي سياق موازٍ، يجري تنفيذ الدراسة التشخيصية القُطرية للقطاع الخاص، وهي دراسة تحليلية مشتركة بقيادة مؤسسة التمويل الدولية ومجموعة البنك الدولي، بهدف تقييم الفرص الاستثمارية والتحديات التي تعرقل مشاركة القطاع الخاص في تربية الأحياء المائية البحرية إلى جانب قطاعات أخرى.
لقد بدأت المشاريع المبتكرة تبرهن بالفعل كيف يمكن أن تسير الاستدامة والنمو جنبا إلى جنب. فمزرعة فيتامين سي المغرب (VitaminSea Morocco) التجريبية للأحياء المائية التي يدعمها برنامج الاقتصاد الأزرق شاهد على إمكانية إنتاج الجمبري (القمرون/الروبيان) على نحو مستدام.
في معرض حديثه يقول دريس كرافيس المشارك المؤسس للمزرعة: "إننا ننتج حاليا حوالي 60 طنا من القمرون سنوياً. هذه الكمية مخصصة بالكامل للاستهلاك المحلي. وبالاستثمار المناسب، يمكننا زيادة إنتاجنا خمسة أضعاف إلى 300 طن سنويا. وبينما لا نزال نستورد اليرقات من الولايات المتحدة، فإن هدفنا هو إنشاء وحدة إنتاج محلية كاملة ووضع شركتنا كلاعب قادر على المنافسة في أسواق القمرون الإقليمية والعالمية".
عالمياً، بلغ إنتاج تربية الأحياء المائية البحرية والساحلية 71 مليون طن في عام 2022. ورغم أن طموحات المغرب تعتبر بسيطة مقارنة بهذا الرقم، فإنها تضعها في موقع إستراتيجي للاستفادة من النمو المتسارع في هذه السوق العالمية.
تتصدر زراعة الأعشاب البحرية المشهد في هذه الموجة الجديدة، والتي تمثل حجر الزاوية في مسيرة المغرب نحو الابتكار الحيوي. هذا ولم تعد الأعشاب البحرية مجرد غذاء، بل أصبحت تدخل كعنصر رئيسي في مستحضرات التجميل، والأسمدة، والصيدلة، والمنسوجات، والطاقة الحيوية، وحتى الحلول المناخية. كما أن الجامعات المغربية تتعاون مع الشركات الناشئة لتجربة وسائل مبتكرة تعتمد على الأعشاب البحرية.
من جانبه قال رشيد اللبار، المدير العام لشركة (سيتكزام/SETEXAM)، وهي شركة عائلية متخصصة في إنتاج الأعشاب البحرية استفادت من برنامج الاقتصاد الأزرق "إننا نبني على الدروس المستفادة منذ عام 1960 ونعمل على تجربة التجارة الإلكترونية لتوسيع نطاق سوقنا. وبالاستثمار المناسب، يمكننا زيادة الإنتاج وإطلاق الإمكانات الكاملة للموارد البحرية في المغرب".
مع وضوح الإمكانات وما تتمتع به المملكة من قدرات، تظل بعض التحديات قائمة. فحتى يتسنى تحسين كفاءة الإنتاج وإمكانات التوسع، نواجه عقبات ومعوقات مثل الفجوات في أعداد المفارخ، ومصانع الأعلاف، ومستودعات التبريد، ومنشآت المعالجة. ومع ذلك، فإن التقدم ملموس، والإصلاحات جارية على قدم وساق، والشراكات تتحسن وتحقق معدلات نمو بشكل متزايد مع مرور الوقت.
من خلال تعزيز الالتزام والمزيد من الاستثمارات على نحو مستمر، يمكن للمغرب أن يعزز مكانته وريادته على المستوى الإقليمي في مجال تربية الأحياء المائية، مما يسهم في خلق فرص العمل، وتعزيز الصادرات، وحماية النظم الإيكولوجية البحرية. فمن زراعة الأعشاب البحرية إلى إنتاج الجمبري (القمرون/الروبيان)، لم يعد الاقتصاد الأزرق في المغرب مجرد رؤية، بل مستقبل يتشكل - حيث يصبح المحيط مصدراُ للرخاء وبناء قدرة الأجيال القادمة على الصمود والتكيف مع التحديات.