IMF - International Monetary Fund

09/22/2025 | Press release | Distributed by Public on 09/22/2025 14:46

تغير جغرافيا الشركات البادئة

العربية
English
6 min (1603 words) Read

ريادة الأعمال في الولايات المتحدة تغادر المراكز التقليدية مثل كاليفورنيا إلى الولايات الغربية والجنوبية ذات الطابع الريفي الغالب

في مدينة لارامي بولاية وايومينغ، تعمل الشركة البادئة "إيرلوم إنرجي" على إعادة تصور تصميم توربينات الرياح التقليدية. فبدلا من التوربينات ثلاثية الشفرات المُثبّتة أعلى أبراج شاهقة، طورت الشركة نظاما يستخدم شفرات شبيهة بالأجنحة تتحرك في مسار بيضاوي أفقي، على غرار عربات الألعاب الأفعوانية في مدن الملاهي. وتمتاز هذه التكنولوجيا بصغر حجمها وسهولة نقلها مقارنةً بالتوربينات التقليدية، فضلا عن انخفاض تكلفتها. وتعتزم الشركة بدء العمل على مشروع تجريبي هذا العام.

وشركة "إيرلوم" ليست الوحيدة. فقد شهدت ولاية وايومينغ، وهي أقل الولايات الأمريكية سكانا، نموا بنسبة 50% في عدد الشركات البادئة على مدار العقد الماضي، لتصبح من الولايات الرابحة، حيث اتسع النطاق الجغرافي لأنشطة ريادة الأعمال في السنوات الأخيرة، مدفوعا باستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتحول إلى العمل من بُعد والعمل الهجين.

ففي الولايات المتحدة، بدأت مراكز الابتكار، مثل نيويورك ووادي السيليكون بكاليفورنيا، في التراجع لتفسح المجال لمناطق جغرافية جديدة. فقد شهدت الولايات الغربية والولايات الجنوبية الشرقية، مثل وايومينغ وجورجيا، زيادة سريعة في عدد الشركات الصغيرة. وتقع سبع من الولايات العشر الأولى في أنشطة ريادة الأعمال جنوب خط ماسون- ديكسون الشهير - وهو الحد التاريخي الفاصل بين الولايات الشمالية والجنوبية ــ أو جنوب خط العرض 36، وهو خط فاصل أكثر امتدادا نحو الجنوب (الرسم البياني 1).

تكتلات الشركات البادئة

أتاحت لامركزية الابتكار للمدن الأصغر حجما والمناطق الريفية إنشاء تكتلات للشركات البادئة. ويُعزى بعض هذه التكتلات إلى انتشار مراكز البيانات في المناطق التي تتوافر فيها الأراضي والطاقة الكهربائية والمياه، إضافة إلى القواعد التنظيمية المحلية المواتية التي تمثل مطلبا أساسيا للشركات. فرغم افتقار الولايات الغربية إلى المياه، فإن ما تتيحه من بيئة تنظيمية ملائمة لاحتياجات شركات التكنولوجيا يطغى على هذا النقص.

وقد تعهد كل من بنك جي بي مورغان تشيس وشركة ستاروود بروبرتي ترست بتقديم ملياري دولار أمريكي لإنشاء مركز بيانات على مساحة 100 فدان في ويست جوردان، بولاية يوتاه، بالقرب من مدينة سولت ليك. وفي يناير 2025، قدّم بنك جي بي مورغان تشيس قرضا بقيمة 2,3 مليار دولار أمريكي لتمويل منشأة في أبيلين، بولاية تكساس. وتعتزم شركة "ميتا" بناء مركز بيانات في مدينة شايان بولاية وايومينغ، بتكلفة قدرها 800 مليون دولار، وعلى مساحة 715 ألف قدم مربع. وفي الوقت الحالي، تعكف أمازون على بناء مركزين للبيانات في مقاطعة ماديسون، بولاية ميسيسيبي، بتكلفة كلية قدرها 10 مليارات دولار. وتبني غوغل مركزا في فورت واين بولاية إنديانا بتكلفة قدرها مليارا دولار، وآخر في فرجينيا بتكلفة تبلغ مليار دولار.

وتمثل مراكز البيانات ركيزة أساسية لعمل الشركات البادئة، حيث تعزز الثقافة الريادية التي تحتفي بالمخاطرة وتُشجعها. وعلاوة على ذلك، يساهم الفكر الاجتماعي والثقافي النابع من القرب الجغرافي للشركات على امتداد سلسلة توريد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تشجيع رواد الأعمال على سرعة التجربة والابتكار. فمشاهدة نجاح الأقران في خوض المخاطر يعزز بدوره روح التجربة والمخاطرة المدروسة.

وقد ساعد تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في نشأة الشركات المساندة ونموها، حيث مكن الشركات البادئة من أداء مهام كانت حكرا على الشركات الكبرى في السابق، مثل تحليل مجموعات البيانات الضخمة أو أتمتة العمليات المعقدة.

زيادة الإنتاجية

يشكل الابتكار جوهر زيادة الإنتاجية، حيث تدفع التكنولوجيات الجديدة الشركات إلى تبني أساليب تشغيلية جديدة. فعلى سبيل المثال، بات بإمكان العيادات الطبية في مدينة بويز بولاية أيداهو استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في قراءة صور الأشعة السينية دون الحاجة إلى الاستعانة بمستشفى كبير. وتستفيد شركات الصناعات التحويلية من التحليلات المتقدمة في إدارة المخزون، كما يوظف العاملون في المناطق النائية بولاية وايومينغ تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تبسيط مهام مثل إدخال البيانات وجدولة المواعيد وإدارة البريد الإلكتروني. ووفقا لشركة "بيتش بوك" التي تدير قاعدة لبيانات أسواق رأس المال العالمية، فقد استحوذت الشركات البادئة في مجال الذكاء الاصطناعي عام 2024 على 22% من التمويل الأولي لرأس المال المخاطر.

وتتمتع الشركات البادئة والشركات الجديدة بمرونة تمكنها من دمج التكنولوجيات الحديثة بسهولة، دون التقيد بالأطر القديمة. فوفقا لمقال أعده إمين دينليرسوز وناثان جولدشلاج ونشره مكتب التعداد الأمريكي، "سجلت الشركات المتناهية الصغر منذ أوائل خريف عام 2023 معدلات مرتفعة نسبيا في استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكنها تظل أقل مقارنة بالشركات الأكبر حجما". وبالمثل، فكلما ازداد عدد الشركات البادئة ارتفعت غالبا إنتاجية العمالة، وربما مستويات الأجور أيضا.

وتجمع إحصائيات تأسيس الأعمال الصادرة عن مكتب التعداد بيانات حول طلبات تسجيل الأعمال، وهي أداة فعّالة لقياس توليد الأفكار التي تقود إلى تأسيس الشركات البادئة. وكما يوضح الرسم البياني 2، سجلت طلبات تأسيس الأعمال الجديدة زيادة هائلة منذ بداية الجائحة عام 2020.

ويستخدم مقياس آخر بيانات مكتب إحصاءات العمل بشأن خطط مدفوعات الأجور لقياس إطلاق الشركات الجديدة. وفي حين تُسلّط بيانات مكتب التعداد الضوء على مرحلة تكوين الأفكار، ترصد بيانات مكتب إحصاءات العمل مرحلة تنفيذها. والسؤال الجوهري في سياق دراسة الابتكار هو ما إذا كانت الفكرة تكتسب أهميتها فقط حينما تُترجم إلى وظائف، أم أن ميلادها بحد ذاته هو أساس الابتكار.

كذلك، تشير بيانات مكتب إحصاءات العمل إلى زيادة حادة في نشاط ريادة الأعمال عبر الولايات المتحدة خلال الفترة 2010-2020 مقارنة بالعقد السابق. ومن بين الولايات الخمس عشرة الأفضل أداء، تقع عشر ولايات إلى الغرب من نهر المسيسيبي، وهي كاليفورنيا، وكولورادو، وأيداهو، وميسوري، ومونتانا، ونيفادا، وداكوتا الجنوبية، وتكساس، ويوتاه، وواشنطن. وفي المقابل، تقع الولايات الخمس عشرة الأضعف أداءً شرق نهر المسيسيبي.

الديناميكية الاقتصادية

قبل الجائحة، انفردت الولايات الغربية بنصيب كبير من أنشطة ريادة الأعمال. غير أن هذا الوضع ربما يتغير في الوقت الحالي. فبيانات مكتب التعداد تشير إلى أن 7 من بين أكبر 10 ولايات من حيث نشاط الشركات البادئة بين عامي 2010 و2025 تقع في الجنوب، كما توضح الخريطة.

والسؤال هنا هو ما إذا كان هذا النشاط يساهم بدور كبير في نمو الوظائف. وتشير البحوث التي نشرها مؤخرا الاحتياطي الفيدرالي إلى أن مساهمة الموجة الأخيرة من الشركات البادئة في نمو الوظائف ستكون أقل على الأرجح مقارنة بالارتفاعات السابقة. فوفقا للاحتياطي الفيدرالي، شكلت الشركات البادئة الوليدة عالية النمو أقل من 6% من التوظيف في عام 2024، مقابل نحو 10% في عام 1985. وغالبا ما تكون الشركات البادئة القائمة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كثيفة الاستخدام لرأس المال والمهارات، وبالتالي تتطلب عددا أقل من العمال.

ويتجلى ارتفاع مستويات الإنتاجية والأجور في العمالة الأعلى مهارة؛ في حين تؤدي الأتمتة إلى تراجع أجور العاملين الذين يتولون المهام الروتينية.والديناميكية الاقتصادية ــ أي مساهمة الشركات الجديدة في تعزيز النمو الاقتصادي ــ قد لا تنبع بالضرورة من الشركات البادئة الكبيرة التي توظف أعدادا ضخمة من العمال، بقدر ما تعكس زيادة عدد الشركات البادئة التي يؤدي كل منها إلى ظهور المزيد من هذه الشركات بفضل تعزيز ثقافة المخاطرة في المنطقة.

وقد يُساعد ذلك في تفسير سبب عدم ارتباط الكثافة السكانية بنشاط ريادة الأعمال. فمن بين الولايات العشر الأولى في نشاط الشركات البادئة، تتراوح كثافة السكان في ولايتي نيو مكسيكو ووايومينغ بين 5 و20 شخصا لكل ميل مربع. وفي المقابل، تعد فلوريدا وتكساس، وهما أيضا من بين الولايات العشر الأولى، من أكثر الولايات اكتظاظا بالسكان، إذ تتراوح كثافتهما السكانية بين 150 و400 شخص لكل ميل مربع.

وعلاوة على ذلك، غالبا ما تستحوذ الشركات الكبرى على أفكار مؤسسي الشركات البادئة، مما يحد من الحاجة إلى النمو المستقل. فعلى سبيل المثال، استحوذت شركة مايكروسوفت على شركة "Inflection AI" بالكامل في عام 2024، بما في ذلك جميع موظفيها السبعين، وكذلك على شركة "Nuance Communications" في عام 2022، وهي شركة رائدة في مجال التعرف على الكلام والذكاء الاصطناعي التحاوري.

الاستثمار المُوَجَّه

شهدت سنوات ما بعد الجائحة تحولا كبيرا في النشاط من الولايات الغربية إلى ولايات جنوب الأطلسي.ويُعزى هذا التوجه إلى عدة عوامل أبرزها إعادة توزيع رأس المال المخاطر، والحوافز السخية برعاية الدولة (التخفيف الضريبي وشراكات البحث والتطوير بين القطاعين العام والخاص)، ومزايا تكلفة المعيشة، وبناء منظومة بيئية متطورة (الحاضنات)، والاتجاه إلى العمل من بُعد. وقد أثبت المنهج الاستثماري المدروس الذي تتبعه الولايات الجنوبية الشرقية - والمتمثل في تحرير شيكات بمبالغ أصغر وتوجيهها بعناية إلى المؤسسين الواعدين - أنه أكثر قدرة على الصمود في مواجهة ارتفاع معدلات تخارج الشركات البادئة.

وتشكل الصناعة التحويلية والبحث محركين رئيسيين. فتكتلات صناعة السيارات، وفي مقدمتها شركة مرسيدس-بنز الولايات المتحدة الأمريكية وشركة بورش أمريكا الشمالية تتخذ مقرات لها في منطقة أتلانتا بولاية جورجيا. وأدى وجود تكتل البحوث الممتد على مساحة سبعة آلاف فدان في حديقة "مثلث البحوث" بمدينة رالي-دورهام بولاية كارولاينا الشمالية، وحديقة كومينغز للبحوث في مدينة هانتسفيل بولاية ألاباما - ثاني أكبر حديقة بحوث، والتي تضم حاضنات أعمال وأكبر 500 شركة وفق تصنيف مجلة فورتشن - إلى أثار إيجابية على مناخ الأعمال في المنطقتين. ومعظم هذه الشركات البادئة تدمج تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عملياتها الاعتيادية باعتبارها إحدى أدواتها العامة، وهو ما تؤكده الصفقات التي بلغت قيمتها عدة مليارات من الدولارات، والتي أبرمتها شركة الذكاء الاصطناعي OpenAIمع شركة الألعاب Epic Gamesوشركة التكنولوجيا المالية OneTrustفي عام 2020، وكلاهما يقع مقره في الجنوب الشرقي.

ووايومينغ حالة فريدة من نوعها؛ فالولاية لا تفرض ضريبة دخل على الأفراد أو الشركات، وتتميز بتدني تكاليف تأسيس الشركات ورسوم التسجيل، ولا تشترط الحصول على الجنسية أو الإقامة. وتطبق الولاية إجراءات صارمة لحماية الخصوصية، حيث تحظر مُشاركة السجلات التجارية أو الشخصية مع أي جهات خارجية. وفي عام 2023، وافق مجلس ولاية وايومينغ المصرفي على إنشاء بنك للعملات المشفرة. لذلك، ليس من المستغرب أن ينظر رواد الأعمال إلى وايومينغ بوصفها خيارا مثاليا للشركات البادئة.

ومن هنا، يتضح أن الابتكار ونشاط ريادة الأعمال ليسا حكرا بطبيعتهما على المناطق ذات التاريخ العريق. فالمناطق الناشئة قادرة على بناء منظومات ريادة الأعمال وتكييفها بما يحقق الاستفادة من الإمكانات المحلية، وعلى التحول إلى مراكز ديناميكية للشركات البادئة.وهذه القدرة تجعلها نموذجا يحتذى للاقتصادات الأقل نموا التي تسعى إلى تحفيز النمو الاقتصادي من خلال ريادة الأعمال. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات، من بينها الحاجة إلى توفير طاقة منخفضة التكلفة وموارد أخرى لتشغيل مراكز البيانات وغيرها من المرافق كثيفة الاستهلاك للطاقة. ويمكن لصناع السياسات القيام بدور حيوي في هذ الشأن من خلال السياسات الصناعية الموجهة ــ الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والأطر التنظيمية التي تعزز الابتكار وتحد من معوقات الدخول أمام المشروعات الجديدة في هذه المناطق.

سواتي بهات عضو في هيئة التدريس بقسم الاقتصاد بجامعة برينستون.

الآراء الواردة في هذه المقالات وغيرها من المواد المنشورة تعبر عن وجهة نظر مؤلفيها، ولا تعكس بالضرورة سياسة صندوق النقد الدولي.

IMF - International Monetary Fund published this content on September 22, 2025, and is solely responsible for the information contained herein. Distributed via Public Technologies (PUBT), unedited and unaltered, on September 22, 2025 at 20:46 UTC. If you believe the information included in the content is inaccurate or outdated and requires editing or removal, please contact us at [email protected]