09/15/2025 | Press release | Archived content
سواء من خلال اتّهامهم ببث محتويات مفبركة أو من خلال إطلاق منصة على شبكة الإنترنت لتشويه سمعتهم، فإن الصحفيين الفلسطينيين في غزة يتعرضون للتهديد والتشهير منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على القطاع الفلسطيني المحاصَر في أكتوبر/تشرين الأول 2023، علماً أن المسؤولين الإسرائيليين يلعبون دوراً نشطاً في حملات التشكيك التي تنال من مصداقية المراسلين العاملين في القطاع المحاصَر وتقوض شرعيتهم وتعرض سلامتهم للخطر، بل ويصل الأمر حد استخدام تلك البروبغندا لتبرير الهجمات الموجهة ضد من ينقلون لنا صورة واقع أهالي غزة.
في 11 أغسطس/آب 2025، وبعد ساعات فقط من اغتيال مراسل الجزيرة أنس الشريففي غارة استهدفت خيمة تأوي مجموعة من الصحفيين بالقرب من مستشفى الشفاء في غرب قطاع غزة، نُشر في تلغرام مونتاج فوتوغرافي مروع على قناة تعود لرجل يُدعى أور فيالكوف، والذي يسوَّق له أحياناً في وسائل الإعلام الإسرائيلية باعتباره "باحثاً" و"خبيراً في الحرب والإرهاب"، وهو الذي يبدو أنه لا يمتلك مؤهلات أكاديمية في هذا المجال، علماً أن الشركة التي تحمل اسمه تُقدِّم خدمات في التسويق الرقمي. ومع ذلك، فقد نَشر مؤخراً مونتاجاً بصورتي الصحفيَين الغزِّيَين مهند قشطةومحمد الشريف، مع علامة الاستهداف على وجه كل منهما، في تحريض واضح على القتل، وصاحبت الصورتين عبارة: "هذان "صحفيان" آخران يتعين على جيش الدفاع الإسرائيلي تصفيتهما في غزة". وقد أجرت مراسلون بلا حدود اتصالاً مع أور فيالكوف، الذي أكد دعوته إلى "القضاء على الإرهابيين"، مضيفاً أن تلك الدعوة لا تتضمن تحريضاً على "القتل".
كما برَّر العبارة التي كتبها في تدوينته بالإشارة إلى أن مهند قشطة نفسه قال إن شقيقه عنصر ناشط في حماس. وعلاوة على ذلك، وجّه فالكوف تُهمة "الإرهاب" إلى محمد الشريف، عم الصحفي أنس الشريف الذي اغتاله الجيش الإسرائيلي في 11 أغسطس/آب، مضيفاً أنه طُلب منه أن يحل محل ابن أخيه "الإرهابي داخل جناح حماس في الجزيرة". وبالإضافة إلى تشبثه بتلك الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة، أحالنا فيالكوف على موقع Media Watch Legal، الذي تبيَّن لنا بعد الاطلاع عليه أنه لم يذكر هذين الصحفيين.
لكن، ما هو Media Watch Legal؟ إنه موقع إلكتروني مُخصَّص لكشف ما تعتبره إسرائيل "صحفيين مزيفين"، وقد أشار إليه وزير الشتات والنضال ضد معاداة السامية، عميحاي شيكلي، في 2 سبتمبر/أيلول، أي بعد يوم من الحملة الإعلامية الدوليةالتي أطلقتها مراسلون بلا حدود ومنظمة Avaaz دعماً للمراسلين الفلسطينيين العاملين في غزة،
علماً أن هذا الموقع يُعد من وسائل الدعاية الإعلامية التي تُخصِّص لها السلطات الإسرائيلية استثمارات هائلة. ففي هذا السياق، قام مؤخراً الموقعان المستقلان +972 Magazine وLocal Call - وكلاهما يتخذان من إسرائيل مقراً لهما - بإنجاز تحقيق استقصائيكشف عن وجود وحدة استخبارات عسكرية سرية، تحت عنوان "خلية الشرعية"، تهدف بالأساس إلى إيجاد أي عناصر من شأنها الربط بين الصحفيين الغزِّيين وحركة حماس.
وتُستخدم الآلية نفسها في موقع Media Watch Legal، الذي يعمل على التشكيك في مصداقية الصحفيين، زاعماً أنهم "مقربون من شخص إرهابي"، على أساس أن أحد أقاربهم ينتمي إلى حماس أو قُتل في غارة استهدفت عضواً معروفاً في الحركة، متبنياً رواية الجيش الإسرائيلي ــ وهي حجج لا قيمة لها على الإطلاق بموجب القانون الدولي، ولا يمكن أن تبرر أي استهداف من هذا القبيل. والحال أنه حتى لو تم التحقق من هذه المعلومات وثبتت صحتها، فإن "كون أحد الأشقاء ينتمي إلى حماس" أو "التواجد بالقرب من المكان الذي اغتيل فيه محمد الضيف جرَّاء قصف" إسرائيلي لا يمثل بأي حال من الأحوال حجة مقبولة بموجب القانون الدوليلاستهداف شخص ما وقتله.
بل وتصل السخافة بهذا الموقع حد الإشارة ــ في منشور تم حذفه لاحقاً ــ إلى أن المراسل مصطفى ثريا، المتعاون مع وكالة فرانس برس، لم يكن صحفياً، وذلك بذريعة أن لديه على فيسبوك "ثلاثة أصدقاء مشتركين مع ثلاثة أشخاص تم تحديدهم على أنهم منتمون لحركة حماس". وبالتزامن مع مقتله في غارة إسرائيلية استهدفتهما عمداً في يناير/كانون الثاني 2024، ، والتي أسفرت أيضاً عن مقتل زميله في قناة الجزيرة حمزة الدحدوح، زعم الجيش الإسرائيلي أن الاثنين "ينتميان إلى جماعات إرهابية"، من دون تقديم أدلة كافية على تك الادعاءات، والتي طرحت مراسلون بلا حدود أسئلة عنها للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي امتنع عن الرد عليها.
"إن حملات تشويه السمعة هذه تندرج ضمن استراتيجية تؤدي في نهاية المطاف إلى إضفاء الشرعية على الاغتيالات التي تطال الصحفيين في غزة. فبتشجيع من السلطات المدنية والعسكرية الإسرائيلية، تقوم هذه الحملات على مزاعم بشأن الضلوع في أعمال إرهابية والانتماء لحركة حماس، وهي ادعاءات لا يمكن التحقق من صحتها واتهامات مفبركة لا أساس لها من الصحة، إذ يختلط فيها الحابل بالنابل على نحو يبعث على الخزي والعار، ولذا ينبغي ألا يقع مستخدمو وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في فخ تصديقها: فالصحفيون الفلسطينيون يبذلون الغالي والنفيس في سبيل أداء عملهم بكل شجاعة ومهنية، على الرغم من كل ما عانوه من قمع على يد حماس بالأمس، وما يطالهم من قصف على يد الجيش الإسرائيلي اليوم. فإذا ما تمت تصفيتهم، فإن المشهد سيصبح عبارة عن دعاية أمام دعاية مضادة. والحال أن هذا السيناريو لا يصب في مصلحة أحد".
إسرائيل تتهم بانتظام الصحفيين الغزِّيين بفبركة الأخبار على الطريقة الهوليودية
بالإضافة إلى الادعاءات المتكررة بشأن انتماء الصحفيين الغزِّيين لحركة حماس، عادة ما يتم التشكيك في مصداقيتهم واتهامهم بفبركة الصور ومقاطع الفيديوهات التي يعرضونها في نقلهم للواقع المُعاش داخل القطاع الفلسطيني المحاصَر منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي فكرة أصبحت متداولة على نطاق واسع بين مستخدي منصات التواصل الاجتماعي في إسرائيل وخارجها، حيث تعمل العديد من الحسابات المؤثرة المؤيدة لإسرائيل على نقلها لأكبر شريحة ممكنة من الجمهور، علماً أن أحد تلك الحسابات يزخر بأكثر من 90 ألف مشترك ويتخذ اسم "Gazawood" (أو أخبار غزة على الطريقة الهوليودية). وفي هذا الصدد، تمكنت منظمة "Fake Reporter، المعنية بتدقيق الحقائق، من تحديد هوية من يقف خلف عذا الحساب، ويتعلق الأمر بإسرائيلي يؤلف كتباً حول الشباب، إلى جانب جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي والمؤرخ الأميركي ريتشارد لاندز، الذي ابتدع عبارة "Pallywood"، في إشارة إلى فبركة أخبار فلسطين على الطريقة الهوليودية، حيث توصل التقرير إلى أن 5.75% فقط من محتوى حساب "Gazawood" صحيح، علماً أن المنظمة خلصت إلى هذه النتيجة بناءً على تحليل أكثر من 700 منشور.
ففي 16 مايو/أيار 2025، على سبيل المثال، وأثناء تغطيتها لقصف إسرائيلي في بيت لاهيا في شمال القطاع، قرر مراسل قناة الغد الأردنية، محمود أبو سلامة، مساعدة أفراد أسرة منكوبة بنقلهم في سيارته، بعدما تأثر من شدة المحنة التي أصابتهم، علماً أنه صور أيضاً هذا المقطع الذي يرصد جانباً من جوانب الحياة اليومية في غزة. لكنه فوجئ في اليوم التالي بتعليقات مخزية من بعض مستخدمي منصة إكس، الذين اتَّهموه بفبركة المشهد، مستندين في ذلك إلى تشابه غامض بينه وبين الأطفال الذين ظهروا في فيديو آخر حول عملية لتوزيع الغذاء، علماً أن تلك المزاعم كانت مصحوبة بمونتاج لفيديو بعنوان "Gazawood"، والذي انتشر كالنار في الهشيم عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي، إلى أن بثته الصفحة العربية الرسمية للجيش الإسرائيلي على موقع فيسبوك في 7 أغسطس/آب 2025، إلى الحد الذي اضطر معه الصحفي الفلسطيني لنشر مقطع فيديولتفنيد هذه الاتهامات الباطلة والدفاع عن عمله.
وكانت مراسلون بلا حدود قد حذّرت مراراً وتكراراًمن مثل هذه الممارسات التي تصبو إلى تشويه سمعة الصحفيين الفلسطينيين والتشكيك في مصداقيتهم ومهنيتهم. وفي مايو/أيار 2025، نُشرت صورة مفبركة عن الصحفي الفلسطيني المستقل مؤمن أبو العوف، الذي كان متعاوناً مع الجزيرة ووكالة الأناضول للأنباء وغيرهما من المؤسسات الإعلامية، حيث أظهرت الصورة المراسل الغزِّي إلى جانب فتاة بعد إنقاذها من حريق. وقد أكدت أسرة مؤمن أبو العوف أن مسؤولاً في الجيش الإسرائيلي كان قد استهدفه في منشورعلى إحدى منصات التواصل الاجتماعي، قبل أن يُحذف في وقت لاحق.
وقبل بضعة أسابيع فقط من اغتياله عن عمر لا يتجاوز 19 عاماً، تلقى الصحفي رسالة تدعوه إلى الاتصال برقم هاتف شخص يصف نفسه على أنه "ضابط (في) المخابرات الإسرائيلية"، وقد كتب في الرسالة "لتأمين حياته ومستقبل عيلتك"، في ما يبدو وكأنها محاولة لتجنيده. وبعدما اتّهمه البعض بفبركة الأخبار، وحاول البعض الآخر استمالته للتعاون مع الجيش الإسرائيلي، أقدم هذا الأخير على اغتياله بتاريخ 9 يونيو/حزيران 2025في غارة جوية، بينما كان يساعد ضحايا كانوا قد أُصيبوا في قصف سابق.
اتهامات باطلة تصل إلى الملايين من مستخدمي الإنترنت
أما التشهير الذي طال المصور الصحفي أنس زايد فتيحة، المتعاون مع وكالة الأناضول للأنباء، فقد اتَّخذ أبعاداً أخرى، إذ لم تستهدفه السلطات في البداية، بل كان استهدافه في الأصل من قبل بعض وسائل الإعلام، مثل صحيفة بيلد الألمانية، التي اتهمته في مقال نُشر يوم 5 أغسطس/آب "بفبركة محتوى دعائي لفائدة حماس"، بينما أظهرت صحيفة ليبراسيونالفرنسية ومنظمة "Fake Reporter"الإسرائيلية المعنية بتدقيق الحقائق أن المقطع الذي نشره حول عملية توزيع الغذاء لا يمت للفبركة بصلة، وأنه تم بالفعل في سياق المجاعة التي تعانيها غزة، والتي أكدتها الأمم المتحدة.
وقد نقلت وزارة الخارجية الإسرائيليةهذا الاتهام على صفحاتها الرسميةفي منصة إكس، حيث نشرت شريط فيديو تعتمد فيه على المقال الذي شكَّكت فيه صحيفة بيلد بمصداقية أنس زايد فتيحة، منددة بوسائل الإعلام التي "تنشر هذه الأكاذيب"، ضاربة في ذلك مثالاً بمجلة تايم الأسبوعية الأميركية، التي نشرت في غلاف عددها الصادر بتاريخ 1 أغسطس/آب 2025 صورة تسلط الضوء على المجاعة في غزة.
إلا أن الصورة التي التقطها أنس زايد فتيحة والتي اتهمته صحيفة بيلد بفبركتها لا تمت بأي صلة للصورة التي نشرتها تايم، رغم أن الصورتين التُقطتا في نفس المكان، إذ تُظهر التحقيقاتأن الصورة التي تتصدر غلاف المجلة الأسبوعية الأميركية لم يلتقطها أنس زايد فتيح، بل تعود لمصور صحفي آخر، بيد أن ذلك لم يمنع السلطات الإسرائيلية من وصف هذا العمل الصحفي بأنه "دعاية لحماس" واتهامه بإنه "لا يمت للصحافة بصلة"، بل ووصفه على أنه "ضرب من ضروب التواطؤ"، حتى أن وكالة الإعلانات التابعة للحكومة الإسرائيلية روجت لهذا الفيديو على موقع يوتيوب باعتباره إعلاناً ترويجياً،علماً أنه نُشر في عدة مناطق من العالم بما في ذلك الولايات المتحدة. وفي اتصال أجرته معه مراسلون بلا حدود، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية أورين مارمورشتاين أن الفيديو يستند إلى تحقيق صحيفة بيلد الألمانية، مضيفاً أن المصورَين التقطا سلسلة من الصور "لمَشاهد مفبركة"، معتبراً أن مجلة تايم الأمريكية تُعد من وسائل الإعلام التي استخدمتها تلك الصور، قبل أن يردف قائلاً: "إن حماس هي التي تتحكم في توزيع هذه الصور القادمة من غزة".
هذا وقد شُوهد الفيديو الذي نشره الحساب الرسمي للحكومة الإسرائيلية أكثر من 8 ملايين مرة على إكس، مما يجعله المنشور الأكثر مشاهدة من بين ما يقرب من 10 آلاف تغريدة رصدتها مراسلون بلا حدود في إطار تحليل المنشورات المحتوية على عبارتي "Pallywood" و"journalist" خلال الفترة الممتدة بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2025 على منصة التواصل الاجتماعي هذه.
والحال أن حملات التشهير هذه تغذي الشكوك بقدر ما تعزز السردية العسكرية للجيش الإسرائيلي، الذي قَتَل أكثر من 210 صحفي في قطاع غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحسب الإحصائيات التي توصلت إليها مراسلون بلا حدود، علماً أن المنظمة لديها أدلة على أن ما لا يقل عن 56 من هؤلاء الصحفيين القتلى استُهدفوا عمداً من قبل الجيش الإسرائيلي أو لقوا حتفهم أثناء قيامهم بعملهم.